القائمة الرئيسية

الصفحات

مفهوم الجهد الكهربائي + مثال لتبسيط

لمحة تاريخية :
تقول الميثولوجيا الإغريقية، أن الإغريق كانوا يخشون قوى الطبيعة التي تتجاوز قدراتهم كالبرق و الرعد و السماء الواسعة، لذلك أعلنوا عبادتهم للإله "زيوس" الذي لقبوه بـ"أب الآلهة والبشر" ! و الإله زيوس هذا كان قد نشأ في جزيرة "كريت" اليونانية (خامس أكبر جزيرة في البحر الأبيض المتوسط) بعدما أنفته أمه هناك مخافة ابتلاعه من طرف أبيه "كرونوس" كما فعل مع إخوته الخمسة حتى لا ينتزعوا السلطة منه !
لم يكن البرق هو المشهد الوحيد الذي جسد وجود الكهرباء منذ ذلك الحين، بل كانت هناك ظواهر أخرى كالشرارات الكهربائية التي تنتج عن فرك الصوف أو تلك التي تنتج عن بعض الأحجار الكريمة... غير أن العالم أليساندرو ڤولطا (Alessandro Volta) قلب الأمور رأسا على عقب و أحدث ثورة في عالم الطاقة بعد اختراعه الأول لبطارية كهربائية سنة 1800. 


ڤولطا لم يكن يتصور حجم الجنون و الهوس الذي سيسببه اختراعه لبعض العلماء، الفيزيائي الألماني "يوهان فيلهلم" (Johann Wilhelm Ritter) بالخصوص ، و الذي يعود له الفضل في اكتشاف الأشعة فوق البنفسجية.
كان يوهان مهووسا إلى درجة كبيرة بدراسة آثار الكهرباء على جسد الإنسان، حتى أنه ربطته عاطفة جياشة باختراع زميله الإيطالي ڤولطا ! و قد جعل يوهان من نفسه فأرا للتجربة لتحطيم هاجس السؤال الذي كان يؤرق تفكيره أنداك، فقام بربط البطارية إلى أجزاء مختلفة من جسده حيث شعر بطعم حمضي بعدما كهرب لسانه، كما قال أنه لاحظ ألوانا غريبة تطفو أمامه عندما وخز عينيه بإبر موصولة ببطارية كهربائية. لم ينتهي به هوسه التجريبي إلى هذه الحدود، بل واصل تجاربه على أعضاء حساسة من جسده، حتى أنه أخبر زملائه بعزمه الزواج من بطارية ڤولطا !

لم يكن للتحفيز الذاتي الذي تمتع به "يوهان" أن يوقفه هنا، إذ أخد يرفع من شدة التيار الكهربائي التي يتعرض لها يوميا إلى درجة كان يستعين فيها بالمسكنات لتفادي الإحساس بالألم الناتج عن ذلك ! و هو الأمر الذي أدى به إلى الإصابة بتشنجات في مختلف أعضاء جسمه و فقدان مؤقت للحساسية، كما أصيب بالشلل الكلي في إحدى ذراعيه لأسبوع كامل، و انتهى به المطاف إلى الموت عن سن الثلاثة و الثلاثين من عمره.
كان يوهان يطمح إلى اكتشاف ما يمكن أن ينتج عن تكهرب جسد الإنسان و ربما لم يولي أي اهتمام بالمجال الكهربائي نفسه، و هو الأمر الذي اختلف فيه مع العالم الإنجليزي فراداي (Michael Faraday)، الذي عارض التساؤلات التي كانت تطرح حول السبب في وجود المجالين المغناطيسي و الكهربائي، و قال فراداي أن الأهم هو الاهتمام بهادين المجالين ماهية و شكلا، لا دراسة مسبباتهما، فالمجال (المجال حيز من الفضاء محدد بثلاثة أبعاد، الطول، العرض و العمق أو الارتفاع) هو الذي يحدث التأثير النهائي على الأجسام المتواجدة فيه.

المماثلة :

لن نعرج هنا إلى تعريف للمجال الكهربائي بقدر ما سنكتفي فقط بذكر مقدار مميز يمكن من خلاله تحديد الحالة الكهربائية لنقطة من هذا المجال (نقطة من الفضاء حيث يوجد مجال كهربائي). و المعلوم أن كل شحنة كهربائية (موجبة كانت أم سالبة) قد تتحرك كلما اقتربت منها شحنة كهربائية أخرى، وفق حركة تجاذب أو تنافر حسب طبيعة الشحنتين، و هذا يدل على أن هذه الشحن الكهربائية تحدث في الحيز المحيط بها شيئا مميزا تتأثر به الشحن الكهربائية الأخرى و هو ما نسميه بالمجال الكهربائي. و كلما كانت شدة هذا المجال كبيرة كلما كانت الشحن الكهربائية الموجودة فيه تخضع لقوة، جذب أو تنافر، أكبر. 
الأمر هنا أشبه بما يحدث في مجال الثقالة (المجال الذي تخضع فيه الأجسام المادية لقوة الوزن)، فلو افترضنا أن شخصا سقط من على كرسيه الموضوع على سطح الأرض، فهو سيتأذى قليلا أو ربما لن يحث له أي مكروه ! بينما لو سقط نفس الشخص من أعلى عمارة فلا شك أن الأذى الذي سيصيبه سيكون ظاهرا، و هذا راجع إلى كون طاقة وضعه الثقالية في الحالة الأولى (الكرسي على سطح الأرض) صغيرة، لكون الارتفاعZ صغير أيضا (Epp = mgz) و خلال السقوط فجزء من هذه الطاقة يتحول إلى شغل يضغط على جسد الإنسان و هو ما يشعره بالألم، لذلك فخلال السقوط من على العمارة تكون طاقة الوضع الثقالية للشخص كبيرة (ارتفاع كبير) و عند انتقالها إلى الهيكل العظمي لجسد الشخص تحدث فيه أعراضا خطيرة. و الحقيقة أن طاقة الوضع الثقالية للجسم ليست نتيجة للارتفاع في حد ذاته ! فلو افترضنا أن نفس الشخص السابق سقط من كرسيه على سطح العمارة (فوق الكرسي إلى سطح العمارة و ليس إلى الأرض!) لما تعرض لألم كبير، إذن فطاقة الوضع هذه ناتجة عن فرق في الارتفاع بين موضع الجسم و موضع السقوط، و ليس في الارتفاع نفسه.

و على غرار الارتفاع في حالة الأجسام المادية داخل مجال الثقالة، و الذي يخبرنا عن طاقة الوضع للجسم، أيضا، فالجهد الكهربائي يخبرنا عن طاقة الوضع الكهربائية لشحنة تتواجد في حيز من الفضاء حيث يوجد مجال كهربائي. و كما أن طاقة الوضع الثقالية تتعلق بفرق الارتفاع و ليس بالارتفاع نفسه، فطاقة الوضع الكهربائية تتعلق أيضا بفرق الجهد الكهربائي و ليس بالجهد الكهربائي نفسه. و من هنا نستنتج أنه لا يمكن تحديد الجهد الكهربائي لنقطة من المجال الكهربائي بالتحديد، كل ما بإمكاننا تحديده هو فرق الجهد الكهربائي بين هذه النقطة و نقطة مرجعية أخرى، و عندما نتحدث عن الجهد الكهربائي لنقطة معينة فنحن نقصد به فرق الجهد بين هذه النقطة و نقط أخرى حيث يكون الجهد الكهربائي منعدما. نفس الأمر بالنسبة للفرق في الارتفاع، فمعنى القول في "ارتفاع نقطة معينة" هو في الحقيقة حساب فرق الارتفاع بين موضع هذه النقطة و نقطة أخرى ذات ارتفاع منعدم. 

خلاصة القول هنا أن الجهد الكهربائي شبيه بالارتفاع في المماثلة أعلاه، بينما الفرق في الارتفاع فهو يمثل التوتر الكهربائي، و كما أننا نقيس المسافة بين نقطتين، فنحن نقيس التوتر الكهربائي بين نقطتين أيضا؛ و بالتالي فليس الجهد الكهربائي ما يجب النظر إليه، بل فرق الجهد الكهربائي. و هذا الأخير هو الذي يجعل مصباحا يضيء إضاءة شديدة أو ضعيفة، و لنفس السبب أيضا فالطيور تقف على الأسلاك الكهربائية ذات التوتر العالي دون أن يحدث لها أي مكروه، لأنها تمسك بنفس النقطة من السلك حيث يكون فرق الجهد الكهربائي منعدما.
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات